العمل عبادة يتهاون الكثيرون في أدائه شهر الصّيام  

رمضان شهر معظم لدى المسلمين لكونه موسماً للخير وفرصة لمراجعة النفس واكتساب المزيد من الأجر {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة الاية 185)، فهذا الشهر يتميز بما لا يوجد في الأشهر الأخرى وهو وجوب الصيام طوال نهار أيامه، والصيام يقابله ثواب كبير لا يعلمه إلا الله وفي الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، كما يتميز هذا الشهر بمضاعفة الأجور وهدوء الخواطر والأنفس وتغير البرنامج اليومي الروتيني في حياة الناس.

عبادة الصوم لكي يثاب عليها المسلم ينبغي أن يشوبها نوع من المشقة والتعب والكلفة حتى تظهر الحكمة من هذه العبادة، ويراها المسلم في نفسه لكي يتذكر أخوانه الفقراء والمحتاجين والمرابطين الذين يعانون من كثير من معوقات الدهر،والتي لا يعيشها سواهم ولا يحس بها المسلم الآخر في حياته العادية بل إن إحساسه بها يأتي عندما يعاني من بعض هذه المشاكل أثناء صيامه وهي الحرمان من الطعام والشراب ونحوهما.
لذلك يخطئ من يقضي كل أو أغلب ساعات صيامه في النوم حتى ولو كان يؤدي الصلوات في أوقاتها لأن طول مدة النوم خلال الصيام يفقده واحدة من أهم حكم الصيام، وهي كما ذكرنا الإحساس بالمشقة والتعب وبالتالي عدم الإحساس بما يعانيه أخوانه المسلمون المعوزون «فالمؤمنون في توادهم وتراجمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وبالذات الناس المقربين من الشخص من ذوي الأرحام ونحوهم الذين ربما في غير شهر رمضان لا يكون لدى الشخص منهم فرصة للالتقاء بهم أو الإحساس بمعاناة البعض منهم، ولكن بفضل حكمة الصوم يتذكر الإنسان أولئك الأقارب فيقوم بزيارتهم والإحسان للمحتاجين منهم.
 كما يخطئ البعض الذين يلجأون إلى خفض إنتاجهم في مجال عملهم وعدم تقيدهم بالانضباط في أوقات العمل بحجة أنهم صائمون لاعتقادهم بأن الصيام يتطلب منهم الراحة أو التفرغ للعبادة، وهو اعتقاد يتعارض مع أهداف رمضان والحكمة من صيامه ذلك أن وفاء المسلم بالتزاماته تجاه الغير أو القيام بواجباته تجاه عمله يعتبر في حكم العبادة لكون الإسلام دين جاء لينظم شؤون المسلمين الدينية والدنيوية، فإذا كان الوفاء بالتزامات الآخرين والقيام بواجبات العمل في حكم العبادة، فهل صيام رمضان وهو من أهم العبادات يستدعي التهاون في العبادات الأخرى والإجابة المنطقية؟
 على هذا التساؤل هي بالطبع بالنفي، فرمضان شهر الخير ولذا فإنه لا يأمر إلا بخير ومن الخير قيام الموظف بأداء واجباته الوظيفية كالمعتاد كما كان حاله قبل رمضان بل ينبغي مضاعفة إنتاجه وجهده في رمضان حتى تتحقق حكمة الصوم في بذل الجهد والعمل وهو صائم، وبالتالي يتحقق له إن شاء الله المزيد من الأجر والثواب ولذا فإنه:
- إذا كان الموظف مطالباً بالوفاء بواجباته التي يستحق مقابلها راتبه، فإن هذا الالتزام ينبغي ألا يتأثر بصيام رمضان.
- والموظف إذا كان بشوشاً ولبقاً مع المراجعين قبل رمضان، فينبغي ألا يتأثر ذلك في رمضان فتنقلب البشاشة إلى عبوس واللباقة إلى غلاظه.

- وإذا كان الموظف مشهوداً له بالانضباط في عمله والمحافظة على أوقات الدوام، فإن هذا الواجب أو الخصلة الحميدة ينبغي إلا يتأثرا بصيام رمضان إما بالتأخر وقت الدوام أو النوم خلاله أو الخروج قبل نهايته، خاصة وأن ساعات الدوام في رمضان يتم تخفيضها.
إذاً شهر رمضان هو شهر الجد والعمل وشهر الخير والوفاء سواء فيما يتعلق بالعبادات المتعلقة بالمولى عز وجل أو بالمعاملات المتعلقة بالأعمال وحقوق الآخرين، وينبغي ألا يحمل رمضان بما ليس له علاقة به من تقصير البعض في قيامه بعمله أو التزامه تجاه الآخرين، فلقد خاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أهم معاركهم في رمضان كمعركة بدر الفاصلة.
ولذا فإن على الموظف الاستمرار في أداء واجباته الوظيفية والالتزام بالدوام الرسمي في شهر رمضان، وألا يجعل الصيام سبباً أو حجة في تقصيره في هذه الواجبات، فكما هو حريص على بذل المزيد من العبادات من صلاة وصدقة ودعاء وصلة رحم في هذا الشهر الكريم، فعليه ألا ينقص من أجره ومن صيامه ومن عباداته بتقصيره في عمله أو الإخلال بالتزاماته تجاه الآخرين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024